بسم الله الرحمن الرحيم، كلما استشعرتِ حقيقةَ افتقاركِ إلى اللهِ سبحانه وشدةَ حاجتكِ إليهِ، شعوراً يملأُ عليك حنايا قلبكِ، ويصبح هاجساً يشغلكِ في كل أوقاتكِ، وحيثما كنتِ. فهناكَ تنهلّ على قلبكِ
شوارقُ أنوارٍ تحسيها إحساساً واضحاً لا لبسَ فيه .. ولذا قالوا : من أرادَ أن يغمرَ اللهُ قلبهُ بألوانِ العطاءِ، فليتحققْ بالافتقار التام بين يدي الله سبحانه .. فإنما الصدقاتُ للفقراءِ والمساكين .. وقالوا : **** من أرادَ ورودَ المواهبَ إليهِ .. فليحققِ الفقرَ والحاجةَ لديهِ .. وفي الأثر الإلهي يقولُ الرب جل جلاله : أنا عند المنكسرة قلوبهم .. وهو معنى عجيبٌ يلهبُ القلبَ الحيّ ويزلزله، ليبقى في حالة انكسار مستمرٍ، ما دام هذا الانكسار ثمرته : أن يكون اللهُ جلّ في علاه قريبا منه، حبيبا إليه، لطيفاً به ..!! وهناكَ معنى خفي عجيب آخر .. هذا المعنى يكمن في الحقيقة التالية : كلما حققتَ افتقاركِ لله سبحانه، ، أغناكِ الله سبحانه من واسع كرمه ..!! وكلما تحققتِ بروحِ الذلِ بينَ يديه، ملأ قلبكِ بشعورِ العزةِ على الدنيا كلها وأهلها..!! ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) .. وللهِ در القائل : ... وأستعلي بإيماني على الدنيا وما فيها ..!! هذه العزة إنما تتجلى بوضوح في كلّ قلبٍ، استطاع صاحبه أن يذللـه بين يدي الله . وعلى قدر قوة افتقاركِ وذلّك له سبحانه، تكونُ قوةُ شعوركِ بهذه العزة، المتكسبة من الله جل في علاه .. وشيء آخر يُضاف إلى كل ما تقدم .. إعلمي رحمكِ الله، وبارك الله فيكِ .. ************* أن الافتقارَ إلى الله في جوهرهِ، إنما هو تحقيقٌ لروحِ العبودية لله سبحانه، وهل يريدُ الله منكِ، إلا أن تتحققِ بمعانيَ العبوديةِ بين يديه في كل أوقاتك ..؟!! وكلما كنتِ متحققة بعبودتك لهُ سبحانه، على الوجه الذي يريد : كانَ لكِ، ومعكِ . حافظاً ومؤيداً ونصيرا ومعيناً .. ( قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) .. ( قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ ) .. ( فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُم ) ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .. والآيات كثيرة في كتاب الله .. إنما يربيكِ الله سبحانه بها، على هذا المعنى وأمثاله : لتملأ قلبكِ ثقةً ويقيناً وإشراقاً وأنتِ تواجهين طوفانَ فتنِ الحياةِ من حولكِ ..!! ثم ... وهذه لطيفةٌ أرجو أن لا تفوتكِ، فاقري وتأملي هذا المعنى : لأن السجودَ أجلى مظهرٍ للافتقارِ بين يدي الله عز وجل : فإنكِ في لحظةِ السجودِ تكونِين أقربَ ما تكونِ من الله سبحانه .. فافهمي .. في الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجدٌ، فأكثروا الدعاء" .. رواه مسلم و في هذا تهييجٌ لنا لنكثرَ من السجود بين يدي الله، لنكون في أكثر أوقاتنا في مقام قربٍ منه سبحانه ..! بل في هذا تعليم لنا أن نكونَ في حالة سجودٍ دائمٍ بين يدي الله، لنكونَ في حالة قربٍ من الله مستمر .. ومن كان مع الله في كل أنفاسه، فلن يضيعهُ، ولن يخيبه .. سئل أحد العارفين : أيسجدُ القلب ؟ قال : نعم، ، سجدة لا يرفعُ رأسه منها أبداً ..!! ولذا قالوا : من فهمَ سرّ السجود، وذاقَ قلبهُ حلاوة الأنس فيه : سحبَ هذا الافتقار الذي تحققَ به في سجودهِ، وذاقَ حلاوته، سحبهُ على بقية حياتهِ، ليبقى في حالةِ قربٍ من ربه في ليله ونهاره، وبهذا تهبّ على قلبه نسائمُ سماويةٌ، ونفحاتٌ ربانية حيثما كان . ومثل هذا الإنسان يصبحُ ويمسي وهو متميزٌ بلا شك .. أعني يصبحُ مباركاً أينما كان . فاجهدْي جهدكِ لتتحققي بفقركِ التام بين يدي الله، على كل حالٍ تكونُ فيها، فمن تحقق بالافتقار إليهِ سبحانه، أغناهُ الله بغير مال .. وأعزهُ الله بغير جاه .. وهل هذا قليل ..؟!! ولقد كان بعض الصالحين يكثر أنْ يقول في مناجاته : اللهم أغننا بالافتقار إليك، ولا تفقرنا بالاستغناء عنك .. فالافتقار إليكَ وحدكَ، هو عينُ الغنى بكَ .. والاستغناء عنكَ موتٌ محقق.. !!.